تراجيديا الجمال في قصيدة " قطاف المنعرجات " للشاعر المغربي أحمد بياض بقلم أوس غريب


تراجيديا الجمال في قصيدة " قطاف المنعرجات " للشاعر المغربي أحمد بياض
 لم اتوقف طويلا امام النص لانه اخذني من نفسي واوقعني في تنوره حتى ماعدت قادرا على رد النيران والتحرر منها كأن احداث العالم العربي في السنوات القليلة الماضية قد انبعثت امام عيني فما عدت اعرف اي رثاء اتمثل ومع اي حزن اتعاطف
 الاشارات الى الربيع العربي كثيرة في النص بدءا من عتبة العنوان " قطاف المنعرجات " فلا يخفى دلالة عدم الاكتمال في كلمة المنعرجات ليتها اكتفت بهذه الدلالة ولكن المنعرج هو مكان ما تتغير الوجهة
وهذا ما حصل حقا في ربيعنا العربي  الذي لم يكد يبدأ حتى انتهى ولعل ابرز ما في قطاف المنعرجات بكل ما توحي به كلمة قطاف من معاني الجني هو لحظات البداية تلك اللحظات التي ما من احد فينا ما خلا الجلاوزة إلا وسكر وغمرته البهجة العامرة
هنا والشاعر يستعيد حديث البداية يصدمه ضيق المسافة حتى كأن اللقاء صار فراقا يقول :
 " لم نتعارف بما فيه الكفاية........ساعة على مهد أسطورة; لم نجتن من لذة الوصال إلا لحظة الوداع الأخيرة٠
ليبقى على سواحل رموش عينيك وحي الأطلال.......
ثم ياخذ في التنويع على هذا المعنى في التراكيب والصور
مثل "فراشة المغيب"
" يسدل السكون ستاره على زهرة السماء
ويتراقص الاطفال بدمية الموت "
" سيتورد الشوق حين تطفو مناجم الدمع من غيث الاشجار وخلايا زيتونة "
" للبحر والدم ولادة القمح والسنابل الماجورة "
للنهايات المصلوبة على شفرة الوصول "
" لقصيدة اخيرة على شفرة برزخ فاصل بين نشيد الوصول ورغامة الذاكرة "
 هذا الامتزاج بين البداية السعيدة والنهاية المفجعة هو الذي جعلني أصف القراءة بقولي تراجيديا الجمال ، فالتراجيديا كما نعلم جميعا تجمع بين التعاسة والعظمة تستعرض احداثا تنتهي نهايات مؤسفة اما لماذا خصصتها بالجمال فيكفي ان نتامل بعض العبارات لندرك ذلك
 نحو " عروس الريح " ونحن نتذكر كم استعاذ النبي من شر الريح فالريح توحي بالشر ولكن الشاعر هنا يقرنها بالعروس ولا يخفى ما في دلالة العروس من معاني الزينة والشغف والحسن
 ويقول " فراشة الغروب " فيجمع بين دلالة الانتهاء وما تحيل اليه من معاني الظلمة والدياجير والفناء فيقرنها بالفراشة وما توحي به من رقة ولطف وحركة لينة مبهجة
ويقول " حين يسدل السكون ستاره على زهرة السماء ويتراقص الاطفال بدمية الموت "
زهرة السماء ورقص الاطفال بكل الإيحاءات الجميلة سرعان ما يغطيهما السكون والموت
اليست منعرجات تلك التي تغير وجهة البداية إلى غير الافق المتوقع لها
حين يقول " للبحر والدم ولادة القمح والسنابل المأجورة"
 كيف نتلقى كلمة الماجورة إنها تفسر لنا كثرة مفردات الموت المذخورة لها في قوله
لشهر آذار القادم من سفوح الجبال
للموت القريب على مطر الريح
للسحابة الماضية إلى قفطان الجليد
للطيف المختمر على مرايا التجاعيد
لخلاياك المدفونة في استحياء على كفّ الرماد المتهرئ
للمكان المفقود في نعش الذاكرة
للبحر والموت
للبحر والدم وولادة القمح والسنابل الماجورة "
تاملوا في عبارات " الموت القريب "
"المكان المفقود "
"نعش الذاكرة "
"خلاياك المدفونة "
"الرماد المهترئ"
" مرايا التجاعيد "
 هذا هو ربيع السنابل المأجورة يستبعد من آذار الذي يتساوى فيه الليل والنهار جانبه المضيء ويبقي على جانبه المظلم يودي يهوي بقوته المخصبة المنتجة ويرتفع بقوته المهدمة المخربة
هكذا تصبح روما مدينة ملقية على براثن النار
تصيح وليس في صوتها غير مرارة الاحتراق
 " لصيحة روما القريبة البعيدة على حدائق النار وعشب اللهب " مايزال يجمع بين الموت والحياة بين العشب والحدائق وبين النار واللهيب
 حتى آخر عبارة تكاد تطيح بالرؤوس الشاخصة الى الجمال وهي تشاهده في " قمر متسول بين الرماد والدخان "
 اختم قراءتي التي لم تستوف النص حقه بعرض النص راجيا للقراء مزيدا من الجمال المودع فيه ومزيدا من الالم المتمدد في ارجائه
قطاف المنعرجات
نغمة شادية على خد قبلة عروس الريح.............
من هناك : رماد زنزانة ‚ هواء التعب وفراشة المغيب..............
سأناولك صوتي ‚ حين يسدل السكون ستاره على زهرة السماء ويتراقص الأطفال بدمية الموت٠
لم نتعارف بما فيه الكفاية........ساعة على مهد أسطورة; لم نجتن من لذة الوصال إلا لحظة الوداع الأخيرة٠
ليبقى على سواحل رموش عينيك وحي الأطلال.......
هكذا أنتِ ‚ وهكذا أنا في شهوتي الممزقة٠
سيتورّد الشوق حين تطفو مناجم الدمع من غيث الأشجار وخلايا زيتونة‚ سأرتشف ما بقي من مدام فنجان نديمي الذي غاب وراء كفّ البحر ولحاف الجدار............
لشهر آذار القادم من سفوح الجبال
للموت القريب على مطر الريح
للسحابة الماضية إلى قفطان الجليد
للطيف المختمر على مرايا التجاعيد
لخلاياك المدفونة في استحياء على كفّ الرماد المتهرئ
للمكان المفقود في نعش الذاكرة
للبحر والموت
للبحر والدم وولادة القمح والسنابل المأجورة
للنهايات المصلوبة على شفرة الوصول
للتعب الموروث على شقوق الأقدام وغبار النعال
لقصيدة أخيرة على شفرة برزخ فاصل بين نشيد الوصول ورغامة الذاكرة
لصيحة روما القريبة- البعيدة‚ على حدائق النار وعشب اللهيب
لآخر ضوء على ثدي الشموع
لضوء القمر وهو يعانق سعال السحاب
لكِ:
خلخال أضلعي ورعشتي المتماسكة بحنين التراب
لكِ:
هذا الوادي المخمور في زهرة الليل‚ والبحر المولع بالفراق
لكِ:
جناح طائر يكسّر السماء
الديمومة الخانقة في مزرعة الأنفاس
لكِ:
أول زهرة على غصن التفاح
لكِ:
شقاء الحروف واتساع الكلمات
ليس أمامكِ:
إلا نوافذ على قدم البحر
والإبهام المنحني في صبح الولادة
تفاحة مقضومة
ويدان ترتعدان
وريحان
وقمر متسوّل بين الرماد والدخان
ذ أحمد بياض/ المغرب/
أعجبني

تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المجلة وشكرا
Facebook
Google
Twitter
0
مجلة

0 التعليقات:

المتابعون

اخر التعليقات

اصدقاء المجلة على الفيس بوك