"المساءات الممطرة“ .. الجزء الأول بقلم هدى الشابي/تونس
"المساءات الممطرة“ .. الجزء الأول
هدى الشابي/تونس
رَفَعتْ ساقَ البِنطال تُطالعُ كدمة أصابتها إثرَ سُقُوطِها و هي تَنزل من الحافلة ...
كان الوقتُ عصرًا و الكلُّ عائد من الدَّوام ... اكتضاض و تدافُع كبير ...
و كانت هي محمّلة بالأغراض ، ملفّات من العمل و بقالة للبيت ...
وقَعتْ و أوقعت كل أغراضها و داستها الأقدام، كرهت نفسها و هي على تلك الحالة ... كرهت ان تبدوَ خرقاء ...
لا تريد أن تتذكر ما حدثَ ، حُنقها أشدُّ من ألمها ...
-إنّها بشعة و تبدو كبيرة ..
ستأخذُ أياما كثيرة لتختفي ...
قال مقطّبا جبينهُ و ضامًّا شفتيه ، مفتعلا بعض التأثُّر ...
-بشاعتكَ أكبر و أفضع و لن يكفيني العمر كله لأتخلّص من مخلفاتها على روحي
ستأخذُ أياما كثيرة لتختفي ...
قال مقطّبا جبينهُ و ضامًّا شفتيه ، مفتعلا بعض التأثُّر ...
-بشاعتكَ أكبر و أفضع و لن يكفيني العمر كله لأتخلّص من مخلفاتها على روحي
ردّدت في نفسها دون أن تنظر إليه
تُحاول أن تتحمّل صوتا يصدره و هو يأكل ...
تُحاول أن تتحمّل صوتا يصدره و هو يأكل ...
-يا إلاهي ! متى ينتهي .... ؟
-أوووووووف ! إنّه لا يكفّ!
-أوووووووف ! إنّه لا يكفّ!
أحدث ضجَّة كبيرة معلنا إكتفاءه من الطعام ، زئيرٌ غادر حنجرته ، قدِم من بطنه المُنتفخة تصرخُ " إمتلأتُ!“ ، صوت ملعقة تُلقى في الطّبق و كرسي يُدفعُ بعنف ... و غادر
أخيرا ..... !!!
تشعر بالدوار و الغثيان ... ما عادت تَحتمِلُ ...
تشعر بالدوار و الغثيان ... ما عادت تَحتمِلُ ...
تكدَّست ثقيلةً على الأرض ، أسندت رأسها إلى الجدار ، ارتخت كل أطرافها مستجيبة لنداء التّعب و الاستسلام في نفسها ...
نسيت الكدمة و ألامها و أغمضت عينيها و سافرت في دنيا الصمت ...
نسيت الكدمة و ألامها و أغمضت عينيها و سافرت في دنيا الصمت ...
قالت في نفسها إن كان اليقين أن العودة للبدايات و إصلاح الاخطاء من المستحيلات ... فماذا عن استعجال المسيرة و بلوغ النهاية؟ ...
ألا يكفي ما تجرَّعَتْهُ من المرّ؟
ألا يكفي ما تجرَّعَتْهُ من المرّ؟
انقضى أكثر من ثلثي العمر في تجرُّعِ الخيبات حتى باتت اكداس ... ألا يكفي؟
الدقائق المريرة استحالت ساعات و الساعات استحالت أياما و الأيام شهورا و الشهور سنينا و السنين عمرا ...
الدقائق المريرة استحالت ساعات و الساعات استحالت أياما و الأيام شهورا و الشهور سنينا و السنين عمرا ...
يكفي !!! .... يكفي !!!
صرخات تمرّد خرساء تجوب صدرها .... تصارع لتغادره ، تبحث عن منفذ للولوج إلى العلن و إفزاع الكون ...
صرخات تمرّد خرساء تجوب صدرها .... تصارع لتغادره ، تبحث عن منفذ للولوج إلى العلن و إفزاع الكون ...
تَمَلمَلَتْ في محاولة هروب من غوغاء روحها التي تحاكي جلسة تنويم مغناطيسيّ ، تنويم تريد الإستفاقة منه ، تنويم يُعرّي ما تريده أن يظلّ مخفيًّا ... يمدّ يده في الظلام و بأصابع خشنة يُحرّك الركود في داخلها ... و يدنو من حوافِ أوجاعها و بلؤمٍ شديد يَدُسُّ إصبعه في عمق جراحها ...
لَوَتْ شفتيها كتعبير عن ضجرها من نفسها و من أفكارها ...
فتحت عينيها و أنهت المسألة ...
فتحت عينيها و أنهت المسألة ...
عاودت النظر الى الكدمة مرة أخرى ، أنزلت ساق البنطال ... تحاملت على نفسها و انتصبت واقفة و بخطى ثقيلة جرّت نفسها الى الحمام ...
وقفت تحت الماء البارد علّه يطفىء لهيب أوجاعها و يغسل شيئا من الأدران العالقة بروحها ...
الماء ينسكب بغزارة فوق رأسها محدثا صوتا يشغلها قليلا عن سماع الصراخ الآتي من داخلها ...
ملأ صوت الماء المتساقط أذنيها و أسكت أزيز رأسها الذي تسكنه خلية نحل نشِطَة ، لا تهدأ ...
و استرسلت في بكاء صامت مؤلم
بكاء في الظلام ، خفيّ ، تحت ستار ماء الدشّ ، بكاء محرَّم الإفصاح عنه ، كأوجاعها التي تسكن كهوف روحها المهجورة ....
الماء ينسكب بغزارة فوق رأسها محدثا صوتا يشغلها قليلا عن سماع الصراخ الآتي من داخلها ...
ملأ صوت الماء المتساقط أذنيها و أسكت أزيز رأسها الذي تسكنه خلية نحل نشِطَة ، لا تهدأ ...
و استرسلت في بكاء صامت مؤلم
بكاء في الظلام ، خفيّ ، تحت ستار ماء الدشّ ، بكاء محرَّم الإفصاح عنه ، كأوجاعها التي تسكن كهوف روحها المهجورة ....
غادرت الحمَّام ...
و انكبّت على اوراقها تُفني ما تبقى من جهد فيها ....
و انكبّت على اوراقها تُفني ما تبقى من جهد فيها ....
توقَّفت قليلا ، تناولت ورقة بيضاء و في أعلى الصفحة كتبت ...
التعاسة ... قدر ...
الحزن ... متاهة بلا منفذ ...
الجُبن ... سجن بلا جدران ...
و في أسفل الصفحة كتبت ...
آخر إشتهاءاتي الخرساء ... أحتاج ليدٍ غير يدي التي كبَّلتها أغلال الكآبة و الحزن و شلّت حركتها ، يد تسحبني إلى الحياة ...
طَوت الورقة جيدا ، وضعتها في درج المكتب و أقفلت عليها ... و عادت لأورا ها تتفحَّصُها.
... هدى الشابي ... 2016
التعاسة ... قدر ...
الحزن ... متاهة بلا منفذ ...
الجُبن ... سجن بلا جدران ...
و في أسفل الصفحة كتبت ...
آخر إشتهاءاتي الخرساء ... أحتاج ليدٍ غير يدي التي كبَّلتها أغلال الكآبة و الحزن و شلّت حركتها ، يد تسحبني إلى الحياة ...
طَوت الورقة جيدا ، وضعتها في درج المكتب و أقفلت عليها ... و عادت لأورا ها تتفحَّصُها.
... هدى الشابي ... 2016
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المجلة وشكرا
0 التعليقات: